تقنيات متفرقة

كل ما تحتاج معرفته عن العلاقة بين صحتك وشبكات 5G

بدأت شبكات الجيل الخامس 5G بالظهور في بعض الأماكن في العالم، إذ وعدت بسرعات فائقة، وقدرتها على تشغيل تقنيات جديدة بما في ذلك السيارات الذاتية القيادة، وتجارب الواقع الافتراضي والواقع المعزز المتطورة. ولكن بغض النظر عما ستقدمه لنا هذه التقنية الجديدة من تطورات، يبقي السؤال المحير: ما الذي ستفعله هذه التقنية بنا؟

ففي الوقت الذي تتسابق فيه شركات الهواتف المحمولة في جميع أنحاء العالم لنشر شبكات الجيل الخامس ودعمها مع الهواتف الخاصة بها، حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منها حين أوضح أنه يجب ألا تنضم الولايات المتحدة إلى محاولات تطوير التقنية وطرحها.

فهناك مخاوف من أن الطيف العالي التردد المعروف باسم (أطوال الموجات الميلليمترية) المستخدمة في عمليات النشر المبكرة لجعل تقنية الجيل الخامس 5G حقيقة واقعة، يمكن أن يشكل خطرًا على صحة الناس.

ففي شهر إبريل الماضي، قامت الحكومة البلجيكية بإيقاف اختبار شبكات 5G في بروكسل، وذلك نظرًا إلى مخاوفها من أن الإشعاعات الصادرة عن المحطات الأساسية قد تكون ضارة. كما قد دعا أعضاء البرلمان في دول أخري مثل هولندا، إلى إلقاء نظرة فاحصة على شبكات الجيل الخامس. هذا وبالإضافة إلى أن سويسرا قد اتخذت خطوات لرصد تأثير التقنية على الناس. وفي الولايات المتحدة، أبدى قادة في الكونجرس نفس المخاوف، مما دفع مدينة في ولاية كاليفورنيا إلى إيقاف نشر هذه التقنية.

جدير بالذكر أن هذه الأنواع من المخاوف ليست جديدة على الإطلاق، فقد أبدى المستهلكون قلقًا لسنوات بشأن الآثار الصحية المحتملة للإشعاع في كل شيء، بدءًا من الموجات الصغيرة إلى الهواتف المحمولة، مدعيين أن موجات الهواء اللاسلكية تسبب سرطان الدماغ وتقليل الخصوبة والصداع عند الأطفال، وأمراض أخرى.

وإن نشر شبكات الجيل الخامس الجديدة، والتي تتطلب نشر عدد أكبر من الأبراج الخلوية الصغيرة بالقرب من أماكن العيش والعمل والذهاب إلى المدرسة، من شأنه أن يثير هذه المخاوف. وقد بدأ المشرعين وواضعي السياسات في جميع أنحاء العالم الاستعداد للتقنية.

ولقد قالت إدارة الغذاء والدواء FDA، وهيئة الاتصالات الفيدرالية FCC، أنه لا يوجد شيء يدعو للقلق، إذ لم تتوصل الدراسات إلى صلة تجمع بين ترددات الراديو من الهواتف المحمولة أو الأبراج الخلوية، والأمراض.

ولكن في عام 2011، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الهواتف المحمولة قد تسبب بعض أنواع سرطان الدماغ، مما يترك احتمال وجود صلة بين السرطان وإشعاع الهاتف المحمول.

يقول النقاد أن سلامة استخدام الطول الموجي الميليمتري لتقنية الجيل الخامس لم يُختبر بعد، ولا يزال هناك حاجة إلى المزيد من المعلومات قبل أن تقوم الولايات المتحدة وبقية دول العالم بنشر الشبكات الجديدة.

ولقد تعرضت هيئة الاتصالات الفيدرالية FCC لانتقادات لعدم تحديثها معايير السلامة للهواتف المحمولة منذ عام 1996، إذ يقول النقاد أنه يجب مراجعة المستويات بناءً على أحدث التقنيات اللاسلكية. فإن هيئة FCC تستخدم قيمة تُعرف باسم SAR أو معدل الامتصاص المحدد؛ لتحديد إمكانية بيع الأجهزة بأمان في الولايات المتحدة. ويقيس SAR مقدار الطاقة التي يمتصها الجسم لكل كتلة معينة. وفي شهر مارس الماضي، أوصت المجموعة الهندسية IEEE بأن تظل مستويات السلامة على حالها كما كانت منذ عام 1996.

والآن، تبقي الأسئلة المتداولة والشائعة حول هذه التقنية:

ما المشكلة مع الإشارات الخلوية؟

إن الإشعاع يُعرّف بأنه انبعاث الطاقة من أي مصدر، وهذا يشمل حتى الحرارة التي تأتي من جسمك. لكن يمكن أن تصيبك بعض أشكال الإشعاع بالمرض.

يمكننا تنظيم أنواع الإشعاع حسب مستويات قوتها على الطيف الكهرومغناطيسي. لذا فإن الأطوال الموجية الكبرى ذات التردد المنخفض تكون أقل قوة، في حين تكون الأطوال الموجية الصغرى في الترددات الأعلى أقوى. وينقسم هذا الطيف إلى فئتين مختلفتين: المؤينة وغير المؤينة.

وتعد الإشعاعات المؤينة، والتي تشمل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وأشعة جاما، من الأشكال الضارة. ويمكن للطاقة الناتجة عن الإشعاعات المؤينة أن تفكك الذرات، ومن المعروف أن تفكك الروابط الكيميائية في الحمض النووي يمكن أن يلحق أضرار بالخلايا، ومن ثم يسبب السرطان.

ولهذا السبب تحذر إدارة الغذاء والدواء FDA من وجود أشعة سينية غير ضرورية، وهذا هو السبب في أن التعرض لأشعة الشمس يمكن أن يسبب سرطان الجلد.

أما الإشعاعات غير المؤينة فلها ترددات أقل وأطوال موجية أكبر، كما أنها لا تنتج طاقة كافية لتفكيك الروابط الكيميائية للحمض النووي. ومثالًا على ذلك: ترددات الراديو، أو الإشعاع اللاسلكي، مثل: راديو FM، وإشارات التلفاز، والهواتف المحمولة التي تستخدم شبكات الجيلين الحاليين؛ الثالث والرابع.

أما إشعاع الطول الموجي الميليمتري، والذي يعد أحد الكتل الرئيسية للطيف الذي ستستخدمه شبكة 5G، فهو غير مؤين، ولا ينتج نوع الطاقة الذي يضر الخلايا مباشرةً. وتستخدم الأجهزة الشائعة، مثل: أجهزة توجيه واي فاي، والماسحات الضوئية لأمن المطار، وأجهزة الاتصال اللاسلكي، والموجات الصغيرة منخفضة التردد.

هل هذا يعني أن إشعاع الهاتف المحمول لا يسبب السرطان؟

يعتبر الأمر أكثر تعقيدًا مما يُظن، إذ يشتبه بعض الخبراء في أن الإشعاع الناتج عن هذه الأجهزة يمكن أن يُلحق الضرر بالخلايا عبر آلية بيولوجية أخرى، مثل الإجهاد التأكسدي في الخلايا، مما يؤدي إلى الالتهاب ومن ثم يسبب مرض السرطان، والسكري، وأمراض القلب، والأوعية الدموية، والعصبية، والرئوية.

ومن بين آلاف الدراسات التي أُجريت على مدى العقدين الماضيين، كانت النتائج مختلطة. فوفقًا لجمعية السرطان الأمريكية، لم تعثر معظم الدراسات المنشورة حتى الآن، بشأن استخدام خدمة الهاتف المحمول التقليدية في نطاق الترددات اللاسلكية، عن رابطًا مع تطور الأورام. ولكن تعترف المجموعة بأن غالبية هذه الدراسات مقيدة بقيود كبيرة، الأمر الذي يترك بعض الشك.

ومع ذلك، لم تصنف أي من وكالة حماية البيئة أو البرنامج الوطني لعلم السموم، إشعاع الترددات اللاسلكية رسميًا على أنه سبب للإصابة بالسرطان. ولكن في عام 2011، صنفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان والتابعة لمنظمة الصحة العالمية إشعاع الترددات اللاسلكية على أنه “قد يسبب السرطان للإنسان”، بعد أن أشارت الدراسات إلى وجود ارتباطات بنوع معين من أورام المخ. ومع ذلك، اعترفت الوكالة أيضًا بأن الأدلة محدودة.

ونتيجةً لذلك، لم تستطع اللجنة أن تؤكد على وجه اليقين أن الهواتف المحمولة آمنة، لكنها لم تستطع أيضًا أن تقول العكس. ويقول الخبراء أنه من المفترض إجراء المزيد من الأبحاث العالية الجودة بشأن كيفية تسبب الإشعاعات غير المؤينة، مثل: الترددات اللاسلكية في حدوث تغييرات في الخلايا.

وفي العام الماضي، نشر البرنامج الوطني لعلم السموم أيضًا النتائج النهائية لدراسته التي استمرت عشر سنوات على الفئران، والتي وجدت صلة بين التعرض لمستويات عالية من إشعاع الهواتف المحمولة من الجيل الثاني والجيل الثالث، وأورام القلب السرطانية لدى الفئران الذكور. ووجدت الدراسة أن الفئران التي تعرضت للإشعاعات عاشت أكثر من الفئران التي لم تتعرض لأي إشعاع.

ولقد أشار الباحثون المشاركون في الدراسات إلى أنه لا يمكن مقارنة مستويات التعرض للإشعاع الخاصة بالفئران بالتعرض الذي يتعرض له البشر، إذ تعرضت الفئران لإشعاع لاسلكي عبر أجسامهم بأكملها، بمستويات أعلى بأربع مرات من المسموح به للهواتف المحمولة. وفي الوقت نفسه، فإن تعرض الإنسان لإشعاع التردد الراديوي يكون محددًا في الرأس ويكون بمستويات طاقة منخفضة.

ولقد أقر هؤلاء الباحثون أيضًا بأنه لا يمكن أن تخبرنا هذه الدراسات الكثير عن تأثيرات شبكات الجيل الخامس. فقد قال مايكل وايد، كبير علماء السموم في الدراسات: “إن شبكة الجيل الخامس لا تزال تقنية ناشئة لم تُحدد بعد”. وأضاف: “فمن منظرونا الحالي، نري انه من المحتمل أن تختلف اختلافًا كبيرًا عما درسناه”.

ويؤكد القائمون على قطاع الهواتف على أنه لا توجد تأثيرات ضارة من إشعاع الهاتف المحمول، بما في ذلك شبكات الجيل الخامس. وقالت رابطة صناعة الاتصالات اللاسلكية CTIA في بيان: “لم تُظهر طاقة الترددات الراديوية من الأجهزة والشبكات اللاسلكية، بما في ذلك الـ 5G، أنها تسبب مشكلات صحية، وفقًا لإجماع المجتمع العلمي الدولي”.

ماذا يقول النشطاء؟

أشار النشطاء إلى الأبحاث التي يقولون إنها تُظهر أن إشعاعات الهواتف المحمولة تؤثر على صحة الإنسان، ويريدون إيقاف عمليات نشر شبكات الجيل الخامس حتى يمكن تحديد سلامة هذه الأجهزة.

كما تعج مواقع التواصل الاجتماعي، والمنتديات الأخرى عبر الإنترنت بالمخاوف ذاتها. وهناك أيضًا الكثير من الحديث في هذه المنتديات بشأن محاولة قطاع الهواتف إخفاء البيانات المتعلقة بأخطار إشعاع الهواتف المحمولة، ويقول المشاركون في تلك المنتديات أن نفس الأساليب الخادعة التي تستخدمها قطاع التبغ لإخفاء مخاطر تدخين السجائر؛ تستخدمها أيضًا قطاعي صناعة الشبكات.

ماذا يقول العلم؟

يقول الخبير كينيث فوست، أستاذ الهندسة الحيوية بجامعة بنسلفانيا الأمريكية، والذي درس الآثار الصحية لطاقة الترددات الراديوية منذ ما يقرب من 50 عامًا: “إن الناشطين الرافضين لنشر شبكات الجيل الخامس ينتقون من الدراسات ما يدعم وجهات نظرهم فقط، مع تجاهل البحوث الأخرى التي تناقض، أو لا تجد أي صلة بين إشعاع الهاتف المحمول والمخاطر الصحية.

أعترف فوستر، والذي شارك في لجنة معايير معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات IEEE لوضع حدود التعرض للترددات الراديوية، بأنه على عكس مستويات إشعاع الجيل الثالث والجيل الرابع، والتي تم دراستها على مدى ما لا يقل عن عقدين؛ لا يوجد الكثير من الأبحاث بشأن الآثار البيولوجية لاستخدام الطول الموجي الميليمتري لشبكة الجيل الخامس.

هل تعدّ خدمة الجيل الخامس 5G آمنة؟

وفقًا لوكالات الخبراء والدراسات التي أُجريت حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أن الموجات الميلليمترية لشبكات الجيل الخامس 5G قد تشكل خطرًا كبيرًا على الصحة. ولكن أعرب معظم الخبراء عن رأيهم قائلين: “لايزال هناك حاجة إلى مزيد من البحوث المتعمقة”.

وقال فوستر: “يبدو أن الجميع، بمن فيهم أنا، يدعون إلى إجراء المزيد من الأبحاث بشأن التأثيرات البيولوجية المحتملة لشبكة الجيل الخامس”، وأضاف: “لكن ما لا نحتاج إليه هو المزيد من التصيّد والانتقاء، فإننا نحتاج إلى المزيد من المراجعات المنهجية للبحوث الحالية، وإلى المزيد من الدراسات الجيدة التي تركز على النقاط النهائية المتعلقة بالصحة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *